أنا اسمي مومال مشتاق من باكستان، ناشطة في حقوق المرأة وطامحة لأكون متعهدةً اجتماعية، وتلك هي قصتي. أعلم علمَ اليقين أنه لا يمكنني أن أغير العالم، لكنني على الأقل أسعى إلى ذلك، لأنني لن أكون سعيدة سوى بهذه الطريقة.
عودة إلى أيام الجامعة، مثلي مثل العديد من الفتيات الأخريات في فصلي، فإن عربة نقل خاصة يفترض أن تنقلني من الجامعة وتنزلني في وجهتي. وكنت إذا أردتُ الذهاب إلى أي مكانٍ آخر، كالمحلات أو المستشفى، فإن والدي أو أخي يصحبني إليه ومن عين المكان. وكنت أعتقد أنه ربما هذا هو ما ينبغي أن يكون عليه واقع الأمر. إلا أنني بعد أن عايشت طريقةً أخرى من الحياة بدأتُ التشكك في أسلوب حياتي السابق. فأثناء الفترة التي قضيتُها في ألمانيا لم يكن أحد يحدق النظر فيَّ أو يقذفني بتعليقات سيئة بمجرد مروري بجانبه. وكان بإمكاني التجول أينما أريد ووقتما أريد!
ولكن عندما عدتُ إلى باكستان، بدأ يؤلمني أكثر من أي شيء مضى حقيقةُ أن البلاد غارقة تحت خط الماء بوابل من المشكلات الاجتماعية التي تطيح بها من كل اتجاه: فهي تعاني من ويلات الفقر، ورائحة الفساد النتنة، وجنون التطرف، وما خفي كان أعظم! ما يقرب من نصف سكان باكستان – أي نساؤها – يجلسن في بيوتهن، ليس لأنهن يردن ذلك برضى نفسٍ، وإنما بسبب أنهن ليس لديهن خيار. ليس هناك قانون يحظر حرية تنقل المرأة في باكستان، إلا أن المضايقات التي يواجهنها في الشوارع أو عند ركوب المواصلات العامة تحد من حركتهن. واللاتي يمكنهن التنقل، تركبن سيارات خاصة، وهو أمر مكلف بالطبع، أو تسافرن مع وصي ذكر.
وبما أنني لم أتمكن من تحمل الأمر، قررتُ إطلاق موقع “مسافرو الحرية” (The Freedom Traveller “TFT”) http://thefreedomtraveller.com/ وهي منصة إلكترونية على الإنترنت للتواصل ودعم المسافرات الإناث، لا سيما من الدول التي تكون فيها حرية التنقل محدودة جدًّا بالنسبة للمرأة. وعلى موقع “TFT” يمكن للنساء من جميع الجنسيات والمعتقدات المشاركة على الشبكة، ومشاركة المعرفة، والمصادر، وتبادل خبراتهن أثناء رحلاتهن. وهذا أقل ما يمكنني أن أقدمه، بالنظر إلى الموارد التي كانت متاحة لي. ولقد شعرتُ بأنه إذا قرأت النساء عن النساء الأخريات اللاتي يمتلكن الشجاعة الكافية على السفر بمفردهن في مجتمعاتهن المحلية أو عبر الحدود مع الدول الأخرى، فإن النساء الأخريات سوف يتشجعن ويحذون حذوهن.
إن الحرية تعتبر نوعية مجردة يُـقــر بوجودها العقولُ الناضجة. إنه شيء يمكنك أن تتحدث أو تكتب عنه أو أن تفكر فيه، أما إذا لم تكن بالفعل معايشًا لها، فإنك لن تدرك جوهرها أبدًا. ولقد هيأتُ لنفسي رغبةً قوية في مساعدة النساء على معرفة ما يعني أن يكون المرءُ حرًّا، لأنني قد تحررتُ بنفسي من قيود التنقل الغاشمة التي عانيتُ منها في حياتي. كما ان إتاحة المجال للنساء لكي يكونوا مستقلين في دولتهم يحمل في ثناياه تأثيرًا إيجابيًّا على اقتصاد الدولة، كذلك.
كنت أعرف أيضًا أنني لا يمكنني أن أعظ الناس برسالة الحرية إن لم أن أكن أتخلق بها. وربما يكون هذا هو السبب الذي دفعني إلى هذا الأمر، حتى أتمكن من التنقل بحرية أكبر في بلدي باكستان. أحيانًا أذهب لممارسة رياضة العدْو وركوب الدراجة في الجوار، لكن في صميم قلبي أعلم أن الأمر ليس مريحًا كما هو بالخارج، لأنني كلما هممتُ بالخروج في كل مرة أشعر بعيونٍ مخيفة تتربص بي. إلا أن هذا الأمر لم يكن سببًا للتقهقر. فَلِكَي أغير، لا بد أن أكون أنا التغيير!
لقد عاهدتُ نفسي أن أتحدى نفسي كل صيفٍ لفترة السنوات العشر القادمة. وهذا العام، على سبيل المثال، قمتُ بالسير بالدراجة على طول الطريق من مونستر حتى آخن بألمانيا – قرابة 200 كم على وجه الدقة! ولقد فعلتُ ذلك لأثبت لكل امرأة في العالم أنه لا أحد سيوقفهن عن تحقيق أحلامهن. ولن تفي الكلمات حقَّ وصف موجات النشوة غير المُخجلة بالسعادة التي غمرتني وأنا أقود دراجتي، مصحوبةً بشعور كبير بالإنجاز. لهذا السبب لن أُقْــدِم على وصف هذا الشعور، لأنه يجب عليك محاولة ذلك.
وفي النهاية أحب أن أعترف بأن هذه الرحلة من اكتشاف الذات لم تكن سهلة. فلقد كانت الانحرافات من مسار الحياة العادية التقليدية لفتاة تبلغ من العُمر 25 عامًا عن التراث الباكستاني في أرض النقاء ملحوظةً للغاية بأي مقياس من مقاييس المجتمع الباكستاني، لكن إن دار الزمان وأتيح لأحد أن يعطيني خطابًا يبلغني فيه بالعودة إلى الرعيل الأول، لكنتُ أحرقتُ هذا الخطاب! أما اليوم، فقد أكون مثقلةً بمهمة تدوم مدى الحياة من أجل تعزيز مبدأ المساواة بين الجنسين، لكنني مباركةً بهذا الهدف. وكما يقولون، حياةٌ بلا هدف عبث.