كانت مالا بصدد إجراء ولادة طبيعية بدون أن تتخذ لذلك الـعُدة. فقد وُلد ابنُها بعد دخولها المستشفى بوقتٍ قصير؛ لأنها أُخبرت في مراحل ما قبل الولادة أنه عندما تحين اللحظة الحاسمة، “فإنها ستلاحظ ذلك بوضوح”. وانقضى الأمرُ دون أن يخبرَها سببَ الألم.
تعمل مالا مصففةَ شعرٍ وأصلها من منطقة كاتالونيا. وهي في منتصف الأربعينات، وتتذكر رغبتها منذ أن كان عُمرُها لا يتجاوز الحادية عشرة في أن تعملَ في مجال الجماليات، ولذلك بدأت في تعلم المهنة في أقرب وقتٍ أمكنها ذلك فيه: فالتحقت بأكاديمية متخصصة، واشتركت في دورات تدريبية تتعلق بالمجال، وقضت بعض الوقت مع مجموعة من المتدربين بصحبة مصففين آخرين حتى تمكنت من فتح صالونها الخاص، الذي كان يلبي رغبات أي شخص آخر سوى نفسها على مدى السنوات الـ 21 الماضية. لقد أحبت مالا هذه المهنة كثيرًا، حتى إنها تعمل بجد واجتهاد كل يوم. وهي تتولى زمام الأمور ومسئولة على الإطلاق عن كافة أبعاد العمل، بدءًا من غسيل الرؤوس حتى إعداد الحسابات، فتطلب بنفسها المنتجات، وتكنس الشعر الساقط على الأرض، وتنظف المكان، وتقطع الأعراف، وتصنع تموجات الشعر، والأصباغ، وتقوم بالتجفيف الأنيق، وتصمم العروض الترويجية، وتدفع الفواتير، وتنظم جدول الأعمال، وتجيب على الهاتف، كما تعمل لساعات طويلةٍ جدًّا واقفةً على قدميها بأداء كامل، لا سيما أثناء عطلات نهاية الأسبوع والأيام القريبة من أوقات الأجازات والأعياد. وفي ظل هذا الإيقاع اليومي المتوتر كان عليها أيضًا أن تقضي آخر يومٍ من حملِها بنفس الإيقاع.
فقبل أسبوعين من المخاض، وبعد يومٍ طويل وحافلٍ بالمتاعب من أيام السبت، بدأت مالا تشعر بشيء من الإزعاج داخلها، ولكنها لم تظن أن اللحظة قد حانت؛ لأنه لم يسبق لها الإنجاب من قبل. وعلى الرغم من ذلك، أنصتت إلى جسدها واتبعت غريزتها الفِطرية، فأخذت حمامًا دافئًا وطويلًا برفقة جوٍّ موسيقي يبعث على الاسترخاء. وقد تعاملت مالا تعاملًا جيدًا مع الجزء الأكبر من آلام الطلق والولادة، مُحاطةً بهذا الجوٍّ الهادئ والمألوف لديها.
وبرغم وجود الألم لم يكن الأمر بالقوة المتوقعة، فبعد ساعاتٍ قليلة قررت مالا الذهاب إلى المستشفى ، وبمجرد دخولها هناك ” فقدت السيطرة على كل شيء”. وللأسف، لم تكن القابلة هناك عندئذٍ، فأحضروا لها الشخص الذي كان في فترة المناوبة، وهو ما أزعج الطريقة المتناغمة التي كانت تتعامل بها في الساعات الأولى من الطَّلق مع إلحاحٍ شديد لا مبرر له. “قاموا ‘بتأنيبي’ على وصولي المتأخر جدًّا، بينما لم أكن – في الواقع – على علمٍ بحقيقة أن اللحظة الحاسمة قد وصلت فعلًا. لم أنصح نفسي لأن الأمر كان بعد أسبوعين من ظهور الألم”. وبأعصاب باردة بادروا إلى إعدادها للوضع، وبسرعة شديدة كان قد تم وضع محلول تنقيطي في الوريد في ذراعها.
– “ما هذا؟ لماذا تضعه في ذراعي؟” – سألت مالا، حيث طغى عليها هرَع مفاجئ من الطاقم الطبي.
– “هذا شيء نضعه للجميع” – تلك كانت إجابة الممرضة دون مزيدٍ من الشرح.
وبعد أيام من معرفة مالا أن المحلول كان يحتوي على هرمون الأوكسيتوسين، وهو هرمون يحفز التقلصات عندما لا تكون إيقاعية أو غير مستمرة بالقدر الكافي. وهو المسئول عن تسرع عملية الولادة بعد عدة دقائق من الحقن. وهذا التسارع المعين سبب لها انشقاقًا عميقًا داخليًّا وخارجيًّا.
وقد استغرق غرز إعادة الإنعاش أكثر من ساعتين، وتطلب وقتًا “بعد العملية” قضت فيه مالا لحظة خاصةً بمفردها في غرفة حتى اختفت آثار التخدير النخاعي. كان الطفل سليمًا مُعافَى بصحبة والده، إلا أنها لم تكن تعرف أنها لن تتمكن من مشاهدته حتى تتماثل للشفاء من الحساسية في قدمَيها. “لم يكن سوى نصف جسدي هو غير المُدرك، وذلك لتجنب الشعور بالألم أثناء غرز الخيوط الجراحية. ولم يكن هناك من سببٍ يدعو إلى منعي من معرفة صحة طفلي، أو على الأقل رؤيته”.
أي ممارسة عدائية تجاه جسم المرأة قبل ولادة الطفل أو أثنائها أو بعدها مما يؤدي إلى فقدان المرأة جزءًا من استقلالها وسلب اتخاذ القرار بشأن جسمها تُعتبر أنواعًا معينة من انتهاك الحقوق الإنجابية للمرأة المعروفة بمصطلح “العنف التوليدي” الصادر من منظمة الصحة العالمية. وذلك يشير إلى كافة العمليات الشائعة التي تعتبر عاديةً ولا يمكن تجنبها – مثل كثيرٍ من أولائك الذين ألحقوا بهم الأذى كما هو الحال بالنسبة للنساء اللاتي عانين منها – حيث تعتبر فترة الحمل ومرحلة الولادة مرضًا أسفر عن طريقة معاملة هرَميةٍ وتمس كرامة الإنسان من قبل الطاقم الطبي تجاه أمهات المستقبَل .
من التصرفات الأساسية لصور العنف التوليدي نجد الآتي: العدول عن الولادة الطبيعية ذات المخاطر المنخفضة إلى الولادة القيصرية أو غيرها من تقنيات تسريع الولادة دون الحصول على موافقة طوعية صريحة ومستنيرة من المرأة، إجبار النساء على الولادة في وضعية الاستلقاء مع رفع الساقين أو تكبيلهما أو كليهما معًا مع إمكانية إتمام الولادة من وضع الوقوف، تجنُّـبُ تقديم الاهتمام المناسب لحالات الولادة العاجلة وعرقلة ارتباط الأم مع طفلها بدون سبب طبي مبرَّر مباشرة بعد الولادة. هذا فضلًا عن الافتقار إلى المعلومات الآتية: التعامل بصورة غير مُبالية ووقحة ومهينة ومسيئة للمرأة، أو أي أفعال أخرى تحدث في جسم المرأة وتساهم في تهميشها أو إقصائها في العملية الإنجابية.
“أنا على علمٍ بأن أصعب لحظات الطلق ستكون الأخيرة وأن الطاقم الطبي يجب عليهم أن يكونوا مستعدين لأي مضاعفاتٍ ممكنة، لكنني أعتقد أنهم لو احترموا إيقاع جسدي، لم أكن لأشعر بالارتباك بما كان يحدث لجسدي. – هذا ما عبَّـرت به مالا عن شعورها – وبجانب الرعاية الصحية، سيكون شعورًا عظيمًا يُؤخذ في الحُسبان لو أن شخصًا ما كان يرافق المرأة أثناء عملية الولادة؛ ففي ظل وجود شخصية جربت الأمر من قبل يمكن لها أن تنصت لما تقوله المرأة أو أن تخبرها طبيعة الأحداث، وترشدها عاطفيًّا في مثل هذه اللحظة لولادة طفل، حتى بعد الولادة وفي البيت، لأن كل شيء من هذا القبيل أمر جديد على المرأة… أو على الأقل مع المولود الأول لها. وبمجرد أن تكونين بمفردك مع طفلك الجديد، فإنه أحيانًا يكون الأمر صعبًا لإيجاد الفرق عما إذا كان شيء ما طبيعيًّا أو لا، وكذلك أجسامنا تبدأ في إعادة التأقلم من جديد من جراء الحمل، مع الأخذ في الاعتبار أن كل شخص هو حالة فريدة وخاصة من نوعها”.
الخُلاصة: يجب تقديم المساعدة المادية والعاطفية للمرأة بالشكل المناسب، فالحقيقة المُستخرَجَة من هذه العملية هي أن النساء وحدهن هن القادرات على: الولادة.
————————–
في أسبانيا يُعتبر نظام الرعاية الصحية مجانًا وشاملًا. وعلى الرغم من وجود مراكز خاصة كذلك، إلا أن أفضل وسائل الدعم كانت موجودة في المستشفيات العامة، وقد اعتاد الناس على الذهاب إلى المستشفيات لأسباب قريبة من ذلك عندما تستدعي الحاجة. وقد ذهبت مالا إلى المستشفى عندما أحست أنها اللحظة الحاسمة، باعتبار أن ذلك هو الإجراء الطبيعي لحالات الولادة منخفضة المخاطر، وهو ما تتبعه معظم النساء في أسبانيا.
يمكنكم الاطلاع على مزيدٍ من المعلومات عن العنف التوليدي هنا:
Parir amb respecte [الترجمة الحرفية: التوليد مع الاحترام] لمنظمة دون ألوم، أسبانيا (01:25″) تشرح بعض النساء المختلفات تجاربهم من أجل نقل ما يُسمى العنفَ التوليدي. متوفر باللغة الكاتالونية، مع ترجمات بالأسبانية والفرنسية والألمانية: http://bit.ly/1bk7uBc
Por tu bien [الترجمة الحرفية: من أجل مصلحتكم] تنفيذ المخرجة إيثيار بولين، أسبانيا 2009 (2:56″) يمكنكم الاطلاع على مقطع قصير عما يعرف بـ “العنف التوليدي”. ويدور الأمر فيه حول تصور امرأة تذهب لتضع مولودَها بدون أن يرافقها أحدٌ وفقًا لاحتياجاتها الحقيقية في تلك اللحظة الاستثنائية من حياتها. متوفر على موقع اليوتيوب باللغة الأسبانية فقط: http://bit.ly/1hO3qOK
Cállate y pujá [الترجمة الحرفية: اخرسي وادفعي!] لسونيا كافيا وإدوارد دياز كانو، الأرجنتين 2011 (04:21″) وهو فيلم يجسد حالة ولادة شائعة في مستشفى بالأرجنتين من أجل شجب أشكال العنف التوليدي. الفيلم مرويٌّ باللغة الأسبانية لكن الصورة لها تأثير بصري قوي. متوفر على موقع اليوتيوب (باللغة الأسبانية): http://bit.ly/KKI08T