أنا امرأة إيرانية متزوجة وأبلغ من العمر 28 عاما، ولدت خلال الحرب الإيرانية العراقية وهي أطول الحروب خلال القرن العشرين. لا تزال أمي تتذكر أصوات القذائف التي أخافتها كثيرًا، في كل يوم وفي كل ساعة، حتى أنها اعتقدت بأنني قد توفيت في أحشائها…. لكنني لم أفعل! كنت أقوى بكثير، لكنني متأكدة أنني لا أجد شيئا أكثر فظاعة من الحرب في هذا العالم…
في عمر الثامنة عشرة، بدأت بدراسة القانون في الجامعة الوطنية الإيرانية وفي عمر الثانية والعشرين، تركت إيران وسافرت إلى فرنسا لإتمام دراساتي في القانون التجاري الدولي. وبعد سنوات، قررت العودة الى وطني…. وذلك بدافع بسيط جدًا وعلى أمل أن أجعل بلادي مكان أفضل للعيش…
أنا الآن في الثامنة والعشرين من عمري وأعمل كمستشار تجاري قانوني للعديد من الشركات الوطنية والدولية المختلفة. وأعمل أيضا كريادية اجتماعية في مجال حماية البيئة في إيران بإنتاج “أكياس قطنية بيولوجية متكررة الاستخدام” لتقليل عدد الأكياس البلاستيكية والورقية المستخدمة في بيئتنا.
في إيران، يعد أبناء جيلي من الشباب هم الفئة الأكبر من السكان الذين اختبروا الحرب، ونظام التعليم الديني، ومختلف النتائج للثورة الإسلامية، والأزمة الاقتصادية، والعقوبات الدولية وبالنهاية “المذاق المر للهجرة”. خاصة، إذا كنتي امرأة؛ فإضافة الى جميع الخبرات الصعبة المذكورة، ستواجهين عدم المساواة بين الجنسين والتي قد تتجسد بأشكال مختلفة، تتباين ببساطة من كون الأبوين يريدان طفل ذكر بدلًا من طفلة أنثى… الى المواد المختلفة للقانون المدني مثل اعتبار الأنثى تحت وصاية الأب أو الزوج أو أي قريب ذكر يتم تعيينه.
أولا كإمراه وثانيا كشخص درس القانون ويعمل مع مختلف الناس، أحاول وضع قائمة بالقضايا العامة المتعلقة بعدم المساواة بين الجنسين في إيران مبنية بشكل واضح من وجهة نظري وخبراتي الشخصية.
1. العمر المحدد للمسؤولية الجرمية:
طبقا للقانون الجنائي الإيراني الجديد لعام 2013، إن معيار المسؤولية الجرمية هو 9 سنوات قمرية (8 سنوات و9 أشهر) للإناث و15 سنة قمرية (14 سنة و7 أشهر) للذكور وذلك استنادًا إلى المدرسة الشيعية في الإسلام المتبعة. رغم أنه ولعدة سنوات، يجادل المحامون بأن اعتبار المسؤولية الجرمية للبنات بعمر 8 سنوات و9 أشهر والأولاد بعمر 14 سنة و7 أشهر يتعارض مع الاحتياجات الحديثة للمجتمع ويشكل خرقا للمعايير الدولية بما فيها إعلان حقوق الطفل، ولا يزال القانون الجنائي الحديث لم يغير شيئا.
2. الدية (أموال الدم):
طبقا للقواعد الإسلامية، يحدد قانون العقوبات الإيراني دية المرأة (أموال الدم) بشكل غير مساو لدية الرجل. فالمادة 379 من قانون العقوبات الجديد تنص على ما يلي:
“عندما تقتل امرأة مسلمة؛ يقع حق القصاص (العقاب)؛ مع ذلك، إذا كان القاتل رجلًا مسلمًا، قبل القصاص، فيتوجب على ورثة الضحية الدفع للقاتل نصف دية رجل … “.
3. حق الزوج في قتل زوجته بشكل فاضح:
سمحت المادة 630 من قانون العقوبات السابق بشكل صريح للزوج بقتل زوجته وعشيقها، إذا قبض عليهما متلبسين، (“بالجرم المشهود” باللاتينية “in flagrante”؛ وهو مصطلح قانوني يعني بأن المجرم قبض عليه وهو يقوم بالفعل الاجرامي). مع ذلك، إذا علم أن زوجته تصرفت بالإكراه، فيستطيع فقط قتل مغتصبها (المادة 630). بينما لم تتغير المادة 630 في قانون العقوبات الجديد، تمت إضافة فقرة إلى المادة 300 تؤكد مرة أخرى على إعفاء الزوج من القصاص (العقاب) في حال قتله لزوجته وعشيقها متلبسين. في الواقع أن المادة 630 لم تلغى فحسب، إلا أن الجمهورية الإيرانية عززت موافقتها على هذه الممارسة.
4. شهادة النساء:
تنص المادة 198 من قانون العقوبات الجديد على:
“الشهادة النموذجية في جميع الجرائم هي شهادة رجلين، باستثناء جريمة الزنى (ممارسة الجنس المحرم)، أو اللواط (الجنس المثلي بين الرجال)، التفخيذ (الجنس المثلي بين الرجال دون اختراق)، والمساحقة (الجنس المثلي بين النساء)، والتي يجب اثباتها بشهادة أربع رجال. يمكن أيضا إثبات الزنى بشهادة رجلين وأربع نساء، باستثناء الحالات التي يكون الزنى فيها خاضع لعقوبة الإعدام أو الرجم والتي تحتاج إلى شهادة ثلاث رجال وامرأتين على الأقل. في هذه الحالات، إذا تقدم رجلان وأربع نساء بالشهادة، تكون العقوبة فقط بالجلد. ويمكن أيضًا اثبات الإصابات الجسدية التي تتطلب دفع دية (أموال الدم) بشهادة رجل واحد وامرأيان“.
5. الحجاب القسري:
بعد الثورة الإسلامية، أصبح الحجاب إلزاميًا بالتبعية ويحدد قانون العقوبات عقوبة شديدة (سبعين جلدة) على خرق مبدأ الحجاب الإسلامي. واستبدل الجلد بعد ذلك بعقوبات أكثر تساهلا: بما فيها السجن والغرامة المالية.
لا توجد قاعدة مشابهة للرجال في قانون العقوبات والقاعدة تنكر بشكل واضح حرية المرأة بارتداء الملابس التي تراها مناسبة. علاوة على ذلك، لا توجد أي قواعد أو إجراءات محددة لهذه القيود؛ وبدلًا من ذلك، ترك تطبيقها إلى تصرف قوى فرض القانون، والتي لا تنحصر في أفراد الشرطة الرسميين لكنها أيضا تشمل العديد من القوى البسيج المتعصبة. وهذه القوى تستغل كل فرصة لتذكير النساء بعواقب خرق مبدأ الحجاب.
مثلا، في الفترات الدينية، مثل شهري محرم ورمضان، يزداد التفتيش على خرق مبدأ الحجاب وتقف الوحدات الخاصة في الأماكن المزدحمة أو تجوب الدوريات الشوارع بحثًا عن خروقات. ويبدو التدخل في مظهر المرأة، بما فيه شعرها ولبسها ومكياجها أحيانا ضمن حدود السخافة.
6. حرية الزواج:
يحق للوصي الطبيعي (الولي القسري: الأب أو الجد للأب) تزويج ابنته أو وليته القاصر نيابة عنها، زواجًا قسريًا. بينما في المدارس الإسلامية الأخرى، يحق للوصي الطبيعي تزويج حتى ابنته البالغة، لكن في المذهبين الحنفي والشيعي، فقط البنات القاصرات يمكن عقد قرانهن بعقود زواج قسرية، لكن تستطيع النساء البالغات إتمام عقود زواجهن بأنفسهن. مع ذلك، حتى النساء البالغات لا يتمتعن بالكامل بحرية الزواج للمرة الأولى بناءاً على تقديرهن الخاص. فلا تزال هناك محددات تؤثر على حريتهن في الزواج طالما أنهن “عذارى”. تتفق جميع المدارس الإسلامية بأن زواج الفتاة العذراء (حتى بعد سن الرشد) يتطلب إذن الوصي الطبيعي لها (وليها القسري). ولا توجد مثل هذه المحددات للذكور الذين يستطيعون الزواج بعد وصولهم لسن الرشد دون إذن وصيهم الطبيعي.
7. تعدد الزوجات:
في القانون الإيراني، بينما تستطيع المرأة الزواج مرة واحدة فقط في وقت واحد، للرجل الحق الديني والقانوني بالزواج أكثر من امرأة واحدة. حيث يستطيع الرجل الزواج لغاية أربعة زواجات دائمة في نفس الوقت. والزواج المؤقت أيضا يسمح له بإقامة علاقات جنسية خارج علاقة الزواج الرسمي. ويستطيع الرجال بسهولة أكثر المطالبة بالزواج المؤقت لأنه ضمن القانون الإيراني يحق لهم تعدد الزوجات، حيث يسمح لهم بوجود زوجة دائمة وزواج مؤقت بنفس الوقت. يمكنني أن أقول أنه في إيران، تعدد الزوجات هو فعل فاضح لا تقبله النساء إطلاقًا، لكن في الحقيقة لا يزال العديد من الرجال يجمعون بين أكثر من زوجة وللأسف دائما هناك الكثير من النساء اللواتي يقبلن أن يصبحن زوجة ثانية أو زوجة مؤقتة…
8. الحق في مغادرة البلاد
تأخذ السلطة التقليدية للرجال (الآباء والأزواج) على البنات والنساء أحيانا شكلا حديثا. فطبقا للقانون الإيراني، تحتاج المرأة المتزوجة إلى موافقة من زوجها للحصول على جواز سفر وللسفر خارج البلاد. ويستطيع الأزواج منع زوجاتهن من السفر خارج البلاد برفضهم التوقيع على الأوراق التي تسمح لهن بالتقدم للحصول على جواز سفر والسفر خارج البلاد. ووفقا للمادة 18 من قانون جوازات السفر لعام 1973: “يمكن إصدار جواز سفر للأشخاص المذكورين لاحقا طبقا لهذه المادة: … 3-النساء المتزوجات، حتى اللواتي لم يبلغن 18 عاما من العمر، وذلك بوجود موافقة خطية من أزواجهن…”
9. الطلاق
تنص القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية بأن الطلاق هو حق فردي للزوج ويستطيع إنهاء زواجه بالإجراء البسيط التالي: ترديد عبارة الطلاق بوجود شاهدي عدل. ولا يحتاج إلى أي أسس للطلاق ويستطيع تطليق زوجته دون موافقة الزوجة أو حتى دون وجودها.
10. التوظيف والحق في العمل
يحرم النساء من الحقوق المتساوية في بعض المجالات المحددة من العمل وفق القانون، حيث تحت تأثير الشريعة الإسلامية، فإن الصعود إلى مراكز متقدمة في صنع القرار في الحكومة مشروط بتلبية متطلبات دينية، والتي، بشكل طبيعي وأحيانا حصريا، تؤول إلى الرجال. على سبيل المثال، وفق دستور الجمهورية الإيرانية، فإن الكثير من المراكز المرموقة في الجمهورية الإيرانية تقتصر حصريًا على الفقهاء الشيعة والمجتهدين (الحكام الإسلاميين القادرين على اشتقاق القواعد الإسلامية بشكل مستقل من المصادر الرئيسية). وهذه تشمل: القائد الأعلى (المادة 109)، رئيس السلطة القضائية (المادة 157)، الأعضاء الست لمجلس الوصاية (المادة 91)، المدعي العام ورئيس المحكمة العليا (المادة 162). رغم عدم وجود متطلب بوجود الذكور في الدستور، إلا أن هذا المستوى من المكانة الدينية ما زال تحت سيطرة الرجال. لم يتم تعيين امرأة إطلاقا، أو حتى رشحت، لهذه المناصب خلال 33 سنة بعد الثورة.
إضافة إلى جميع المسائل القانونية المذكورة، يمكنني القول إنني عندما بدأت بالعمل في الشركات كمستشارة قانونية لديهم؛ فهمت بأنه في بيئة العمل يمكن أن أجد عدد قليل من النساء اللواتي وصلن إلى مناصب في الإدارة العليا أو رئيسات اقسام أو مديرات تنفيذيات. ثقافيا، لا يزال الرجال لا يسمحون للنساء بتولي مناصب عليا حتى وإن كن أكثر تعليما رغم عدم وجود أية محددات قانونية بهذا الخصوص.
فإذا أردت –مثلا-تولي منصب عال، فيتوجب على محاربة الكثير من المعايير الذكورية والتي تصر دائما على أن وظيفتي الحقيقية هي إقامة العلاقات الجنسية معهم، أو أن وظيفتي هي فقط إطاعتهم، ولا يمكنهم على الاطلاق قبول المرأة كمدير قوي يستطيع وضع القوانين…
خلاصة القول، نعلم جميعا انه في أجزاء كثير من العالم، تحظى النساء باهتمام أقل وحقوق أقل من الرجال وبالأخص البنات اللواتي غالبا ما يتلقين دعما أقل بكثير من الأولاد. لكن “كيف يمكننا تغيير عدم المساواة بين الجنسين؟” هو السؤال الذي علينا دائما التفكير فيه.
أعتقد أن إهمال النساء لوضعهن وحقوقهن في المجتمع عامل أساسي في المساواة بين الجنسين. من ناحية أخرى، هناك علاقة بين اهمال النساء وعدم تمكينهن اقتصاديا هو المتعلق بشكل مباشر بمعرفة القراءة والكتابة أو بعبارة أخرى: التعليم.
فالتعليم هو المفتاح الذي يفتح العديد من الأبواب المغلقة لكن بالتأكيد هو غير كاف. كما نرى، في أيامنا الحالية في إيران لدينا الكثير من النساء المتعلمات اللواتي يعانين من عدم المساواة وحتى أنهن لا يعين ذلك.
من الواضح أن وجود نساء متعلمات لا يكفي، فحرية التفكير وحرية التساؤل حول أي نوع من المعتقدات أو التقاليد هو عامل ضروري آخر للقضاء على عدم المساواة بين الجنسين.
كامرأة في إيران، يمكنني القول إنني أتأمل أن تكون النساء في إيران يخطون خطوة جيدة لتكوين معرفة عميقة حول ما يريدون أو لا يريدون، لأنه في المدن الكبيرة بشكل خاص هن متعلمات وفي الغالب يعملن خارج المنزل، وما يحتجنه هو الشجاعة في الطلب والتفكير أكثر فأكثر…